على الرغم من الطفرة التي يشهدها العالم في دعم الرياضة النسائية، إلا أن واقع الرياضة النسائية المصرية لا يزال محفوفاً بالعقبات التي تبدأ بالإهمال المؤسسي، ولا تنتهي عند حدود التمييز القائم على النوع الاجتماعي والعنف النفسي.
خلف الشعارات البراقة عن تمكين المرأة، تختبئ قصص من التهميش والانتهاك.
استبعاد فجّ واتهامات عبثية: يمنى عياد وأولمبياد باريس
واقعة استبعاد الملاكمة المصرية يمنى عياد من أولمبياد باريس 2024 شكلت نموذجاً صارخاً لهذا الواقع.
تجاوزت عياد وزنها المسموح به بـ700 جرام فقط، وهو خطأ يمكن تفاديه بالإشراف الطبي والغذائي المناسب، لكن بدلاً من تحمّل المسؤولية، أصدر الاتحاد المصري للملاكمة بياناً اتسم بالسطحية والتمييز، أرجع السبب إلى الدورة الشهرية للاعبة، في تجاهل تام لحساسيات التعامل مع قضايا المرأة.
وفقاً لمؤسسة “سوبر وومن“، فإن غياب الرعاية الصحية والغذائية الملائمة كان السبب الحقيقي، وهو تقصير تتحمله الأجهزة الفنية والطبية، لا اللاعبات.
عندما يصبح الحمل عارًا لا إنجازًا
التحديات لم تتوقف عند حدود الإهمال الإداري، بل طالت الحقوق الأساسية للرياضيات.
ففي سابقة لافتة، شاركت لاعبة سلاح السيف ندى حافظ في الأولمبياد وهي حامل.
وبدلاً من الإشادة بقدرتها الاستثنائية، وجدت نفسها عرضة للانتقاد والسخرية، دون أي مساندة تُذكر من اللجنة الأولمبية المصرية، التي التزمت الصمت بدلاً من الدفاع عن حقها المشروع في التنافس.
أكدت الناشطة الرياضية آية منير أن الحمل لم يكن يومًا سببًا لإقصاء الرياضيات عالميًا، مشيرة إلى نماذج عديدة لرياضيات حققن إنجازات تاريخية أثناء الحمل.
عنف يومي وصمت مؤسسي
على المستوى الاجتماعي، لا تزال الرياضة النسائية تصطدم بجدار من التنمّر والعنف.
تعرضت لاعبة الكيك بوكسينج لارين أحمد لتحرش خلال تدريباتها، اضطرت معه للدفاع عن نفسها جسديًا.
وفي محيطها الرياضي، لم تسلم من العبارات المحبطة مثل “مكانك المطبخ”، التي تعكس نظرة ذكورية ترى الرياضة حكراً على الرجال.
أما الملاكمة هدير، فقد لاقت لومًا من طبيبة الفريق النفسي لتغيبها عن التدريب بسبب آلام الدورة الشهرية، في مشهد يلخص حجم الجهل والتمييز الذي تعانيه الرياضيات المصريات حتى داخل المؤسسات المتخصصة.
ثمن المجد: عندما تصبح الرياضة عبئًا ماليًا على البطلات
تتفاقم الأوضاع مع العبء المالي الهائل الذي تتحمله اللاعبات، إذ تحتاج الرياضيات إلى ما لا يقل عن 10 آلاف جنيه شهرياً لتغطية نفقات التدريب والمكملات الغذائية والمشاركة في البطولات.
هذا العبء يضع كثيرات أمام خيارين أحلاهما مر: إما التضحية بجزء من احتياجاتهن الأساسية، أو التخلي عن مسارهن الرياضي بالكامل.
منصات بلا بطلات
الإعلام بدوره ساهم في ترسيخ هذه الفجوة، عبر تجاهله شبه الكامل لإنجازات الرياضيات مقارنة بالاهتمام المفرط بالرياضة الرجالية.
ضعف التغطية الإعلامية يؤدي إلى تراجع اهتمام المستثمرين والرعاة، مما يعمّق أزمة التمويل ويزيد من عزل الرياضيات عن دائرة الضوء والدعم الجماهيري.
صرخة أممية: عنف منهجي لا يجب تجاهله
هذا الواقع القاتم لا يمر دون انتباه المؤسسات الدولية، فقد أكدت ريم السالم، المقررة الخاصة للأمم المتحدة، أن النساء في الرياضة يتعرضن لأنماط متعددة من العنف الجسدي والاقتصادي والرقمي، مطالبة بتوفير بيئة آمنة وداعمة للرياضيات، ومعالجة العنف الممنهج عبر سياسات واستراتيجيات حقيقية، وليس مجرد شعارات شكلية.
ختامًا، فإن الرياضة النسائية في مصر تحتاج أكثر من مجرد خطابات تشجيعية.
الرياضة النسائية بحاجة إلى إرادة سياسية، واستراتيجيات ممنهجة، تبدأ بتأهيل الكوادر الفنية والإدارية للتعامل بوعي واحترام مع الرياضيات، مروراً بتأمين التمويل الكافي، وليس انتهاءً بإعادة صياغة الخطاب الإعلامي ليعكس إنجازات المرأة كما ينبغي.
حتى ذلك الحين، ستظل الرياضيات المصريات يحاربن على جبهتين: جبهة تحقيق أحلامهن، وجبهة انتزاع حقوقهن المسلوبة.