شهد عالم كرة القدم تغيرات جذرية في الفترة الماضية، حيث أصبحت لغة المال هي اللغة التي تحدد شكل اللعبة وطرق سيرها، مما أثار هذا التغيير تساؤلات عدة حول مستقبل الكرة ومدى قدرة الأندية متوسطة الميزانية على التنافس مع أندية الصفوة ومواكبة الثورة المالية التي أصابت لعبة الفقراء.
في هذا التقرير نستعرض أهم المحطات التي مرت بها الرياضة الأكثر شعبية حول العالم حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن.
تعددت الروايات حول نشأة كرة القدم، فمنهم من يرى أنها انطلقت بين عمال الموانئ والسكك الحديدية في إنجلترا وانتقلت بعد ذلك إلى أمريكا الجنوبية ثم إلى باقي دول العالم، بينما يرى المؤرخون أنها تعود إلى الحضارة الصينية القديمة، حيث تعود أول أشكال كرة القدم إلى القرنين الثاني والثالث قبل الميلاد حينما قام الصينيون من خلال أسرة هان الحاكمة بالبتكار لعبة باسم سوشو تعتمد على ركل كرة تحتوي على الريش والشعر بهدف إدخالها في شبكة مثبته على أعواد الخيزران.
فيما يعتقد البعض أنها نشأت في العصور الوسطى بالقارة العجوز بين الطبقات الفقيرة قبل أن تنتقل لاحقًا إلى طبقة الأغنياء، كما ظلت تُمارَس كرة القدم في الشوارع بشكل عفوي دون قيود أو قوانين تحكمها، إلى أن تدخلت الحكومات ورجال الأعمال لفرض القوانين الرياضية المختلفة وتأسيس الاتحادات المحلية والدولية لتنظيم ممارستها، وتعتبر إنجلترا هي مهد كرة القدم بشكلها الحالي، حيث تم إنشاء أول اتحاد للعبة في عام 1863، ووضع قوانينها الخاصة، ومن ثم بدأ انتشارها حول العالم.
كيف تجني الأندية الأموال؟
تتعدد مصادر دخل الأندية حتى تحقق التوازن المالي ولجني الكثير من الأموال من المصادر المختلفة لتحقيق الاستقرار المالي، وتعد من بين هذه المصادر؛ إيرادات المباريات من خلال بيع التذاكر للجماهير، كما تحصل الأندية على مقابل مادي كبير من خلال حقوق البث التلفزيوني، بالإضافة إلى الأموال التي تحصل عليها من الرعاة، وليس هذا فحسب؛ بل تعمل الأندية الكبرى على بيع قمصانها ومنتجاتها من خلال منافذ بيع خاصة بها سواء في مقر النادي أو الاستاد أو منافذ أخرى.
كما تكسب الأندية أموالًا ضخمة من وراء انتقال اللاعبين إلى أندية أخرى، وقد تشمل هذه المكاسب نسبة من وراء بيع اللاعب مستقبلاً لأي نادي آخر، مثلما حدث مع عمر مرموش ومحمد صلاح، حيث حصل أندية وادي دجلة والمقاولون العرب على نسبة كبيرة من إعادة بيع الثنائي.
أرباح وادي دجلة من انتقال عمر مرموش إلى مانشستر سيتي الإنجليزي خلال فترة الانتقالات الشتوية الماضية، وصلت إلى مليون و875 ألف يورو بحسب تصريحات لـ ماجد سامي رئيس النادي في مداخلة مع أحد القنوات المصرية.
كما توجد مصادر أخرى للدخل، مثل مواقع التواصل الاجتماعي، أو المكافآت التي تحصل عليها الأندية من المشاركة في البطولات المختلفة.
شهدت كرة القدم العالمية تحولًا جذريًا في بث المباريات، حيث انتقلت من البث المجاني عبر القنوات الأرضية إلى نظام الاحتكار والتشفير من قبل قنوات رياضية محددة، هذا التحول أثار جدلاً واسعًا حول تأثيره على المشاهدين، خاصة في الدول ذات الدخل المحدود.
مباريات كرة القدم من المجاني إلى التشفير
كانت تبث المباريات الرياضية في الماضي بشكل مجاني عبر القنوات الأرضية والفضائية، مما وفر للجماهير فرصة متابعة فريقهم المفضل، ولكن مع تطور تقنية البث التلفزيوني في السبعينات والثمانينيات من القرن الماضي، بدأت بعض القنوات تلجأ إلى التشفير وفرض رسوم اشتراك على الجماهير مقابل مشاهدة المباريات.
بدأ الأمر في الظهور في المنطقة العربية وبالتحديد في عام 1993 على يد قناة ART، التي قامت ببث بعض البطولات مجانًا قبل اللجوء إلى جشع التشفير، كما سارت شبكة قنوات “بي إن سبورت” القطرية على نفس المسار، واستحوذت على جميع البطولات الكبرى المحلية والعالمية، ومن ثم قامت بتشفيرها مقابل فرض رسوم معينة لإتاحتها للجمهور العربي.
كما نتج عن هذه السياسة لجوء فئة كبيرة من الجمهور إلى وسائل غير شرعية لمتابعة المباريات، مثل الاشتراك في الواصلات المقرصنة ومشاهدتها عبر المقاهي المختلفة، بل ومشاهدتها عبر مواقع معينة تبثها بشكل مجاني عبر الإنترنت.
هل ينتهي الاحتكار في عالم كرة القدم؟
سعت بعض الدول والمؤسسات الرياضية إلى كسر حاجز تشفير المباريات، فعلى سبيل المثال، قام الاتحاد السعودي لكرة القدم في عام 2019 بمنع مجموعة “بي إن سبورت” من الحصول على حقوق بث مباريات المنتخب والفرق السعودية سواء في الأحداث الإقليمية أو العالمية، كما قامت قناة MBC مصر بالحصول على حقوق بث مباريات الأهلي والهلال في بطولة كأس العالم للأندية 2025 وإتاحتها بشكل مجاني لمختلف الجماهير العربية، وغيرها من الأحداث الرياضية المختلفة.
كما يقوم الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” بين الحين والآخر ببث بعض الأدوار من البطولات الكبرى بشكل مجاني للجماهير من مختلف بقاع العالم، وذلك لمحاولة تقليل العبء عن الجماهير.