مما لا شك فيه أن الدوري المصري من أقوى الدوريات في إفريقيا والوطن العربي وأكثرها شهرة، لما لا وهو يضم نخبة من أعرق الأندية الجماهيرية، على رأسهم القطبين “الأهلي والزمالك“، أصحاب النصيب الأكبر من البطولات محليًا وقاريًا.
قبل زمن، كان للديربي المصري أهمية خاصة، حيث تتوقف الحياة في شوارع مصر المحروسة لمدة 90 دقيقة، هي الفترة التي تتجمع خلالها العائلة أمام شاشة التلفاز لمتابعة الحدث الرياضي الأبرز، وعلى جانب آخر، يتجمع آلاف من المشجعين في المدرجات على جوانب الملعب لدعم فريقهم المفضل ليجلب لهم انتصارًا تصاحبه فرحة تبعدهم عن هموم وضغوطات الحياة.
الأندية الجماهيرية والسقوط إلى الهاوية
لم تكن مباراة القمة فقط هي من تحظى بهذا الاهتمام، فقد كان الدوري مليئًا بالأندية الجماهيرية بخلاف الأهلي والزمالك، تخيل معي مباراة مقامة بين المصري والإسماعيلي في استاد الإسماعيلية الممتلئ عن آخره بالمشجعين، وهناك 90 دقيقة حاسمة لإسعاد محافظة بأكملها، تخيلت؟ لنعد إلى الواقع مرة أخرى، الفريقان المذكوران أصبح أحدهما في منافسة كل موسم على البقاء وسط الكبار وتجنب الهبوط، والآخر ما زال متماسكًا نوعًا ما، موسم جيد وموسم سيئ.
هذا المثال ليس الوحيد الذي يبين لك حجم المعاناة التي تعرضت لها الفرق الجماهيرية خلال السنوات الأخيرة، فالجيل الحالي عندما تذكر أمامه اسم غزل المحلة، يخطر بباله النادي الذي يكافح دائمًا من أجل البقاء في الدوري الممتاز، يهبط ثم يعود، هل كان هذا الحال دائمًا ؟ بالتأكيد لا، بشهادة نجوم الكرة المصرية من الأجيال السابقة، فقد كانت ملاقاة غزل المحلة على ملعبه التاريخي المحاط به مداخن المصانع بمثابة فيلم رعب لكل الفرق، والخروج منه بنقطة التعادل كانت أشبه بالغزالة التي أفلتت من بين أنياب أسد بأعجوبة.

إذا تحدثنا عن كل الأندية الجماهيرية التي انتهى بهم الحال إلى وضع مأساوي، لن يكفينا يوم كامل، لأن بعضهم اختفى من الأساس وأصبح مجرد تاريخ منسي.
حلت الأندية الاستثمارية محل الجماهيرية، وأصبح للدوري المصري شكل آخر بخلاف الذي اعتدنا عليه، ربما كانت البداية بالذكرى التي نتمنى جميعًا نسيانها، وهي أحداث استاد بورسعيد عام 2012، التي تسببت في غياب الجماهير عن المدرجات لعدة سنوات، وعندما بدأت تعود رويدًا رويدًا، واجهنا كارثة أخرى في استاد الدفاع الجوي، لنعود إلى نقطة الصفر.
لنعد إلى الإسماعيلي مرة أخرى لذكر موقف يوضح كم الضرر الذي وقع على الأندية بسبب غياب الجمهور، حيث صرح باسم مرسي، لاعب الفريق السابق، خلال ظهوره في أحد برامج البودكاست، بأن النادي كان يعاني من أزمات مالية حادة، لدرجة أنه في أحد المرات رأى عددًا من الناس في المدرجات، ففرح ظنًا منه أنهم من جمهور الفريق وجاءوا لتشجيعه، لكن عندما اقترب، اكتشف أنهم عمال وسبب وجودهم هو جمع “الخردة” والكراسي المكسورة من أجل بيعها وتسديد مستحقات اللاعبين.
ظهور الأندية الاستثمارية في الدوري المصري
بعد ظهور ما يسمى بالأندية الاستثمارية أو أندية الشركات، قلت متعة المباريات بشكل كبير رغم منافستها على البطولات مع فريقي القمة، الأهلي والزمالك، حيث أصبح فريق بيراميدز على بعد أمتار قليلة من التتويج ببطولة الدوري للمرة الأولى في تاريخه، بينما أندية أخرى، مثل الإسماعيلي، باتت قريبة من الهبوط لدوري المحترفين، حتى الزمالك، صاحب التاريخ العريق، يكافح لاستعادة مكانته بعد موسمين على التوالي يحتل خلالهما المركز الثالث ويفقد فرصة المشاركة بدوري أبطال إفريقيا.
كيف تربح الأندية؟
تعتمد الأندية المصرية بشكل رئيسي على عوائد حقوق بث المباريات، بالإضافة إلى عقود الرعاية والإعلانات، حيث يحصل كل من الأهلي والزمالك على الجزء الأكبر من هذه العوائد، إلى جانب ذلك، توجد بعض المصادر الثانوية التي تبدو أقل أهمية مقارنة بالمصروفات، مثل إيجارات المحلات التجارية المملوكة للأندية، واشتراكات العضوية.
وبذلك، لا تتمكن الأندية الجماهيرية في مصر من الاستفادة من شعبيتها، نتيجة غياب الجمهور عن المدرجات لأكثر من عقد من الزمن، ورغم التحسن النسبي الذي تحقق مع السماح بحضور جماهيري جزئي من خلال منصة “تذكرتي”، إلا أن هناك حاجة ملحة لإعادة فتح الملاعب أمام الجماهير بكامل طاقتها الاستيعابية، مما يسمح للأندية الجماهيرية بالاستفادة من هذا المورد على الصعيدين المادي والمعنوي.
أختتم حديثي بسؤال بحاجة إلى المناقشة: هل يستعيد الدوري المصري رونقه من جديد؟