كرة القدم تغير خارطة الطموح الطبقي في مصر

في زمن ليس ببعيد، كانت عبارة “نفسي ابني يطلع دكتور” تتردد بفخر على ألسنة أولياء الأمور في مصر، كرمز للطموح الطبقي وضمانة لمكانة اجتماعية مستقرة، أما اليوم فإن طموحات الأطفال والآباء على حد سواء باتت تأخذ منحنى مختلفًا، وربما أكثر واقعية في نظر البعض: “نفسي ابني يطلع زي محمد صلاح”.

في مجتمع يشهد تحولات اجتماعية واقتصادية عميقة، أصبحت الرياضة -وتحديدًا كرة القدم- أحد أبرز مسارات الصعود الطبقي الجديدة، مدفوعة بنماذج حيّة مثل نجم ليفربول وقائد المنتخب المصري محمد صلاح، الذي تحول إلى رمز جماهيري ونموذج للنجاح السريع.

من التعليم إلى الرياضة.. الواقع يغير اتجاه الحلم

بالنسبة لكثير من الأسر المصرية، وخاصة من الطبقات الشعبية والريفية، لم تعد الشهادات العليا تضمن الحياة الكريمة.

مما يكشف تحولًا بنيويًا في العقل الجمعي للأسرة المصرية، الرياضة لم تعد رفاهية أو ترفيهًا، بل وسيلة حقيقية
للصعود الطبقي، وأحيانًا للهروب من واقع اقتصادي ضاغط.

هل يتحول الحلم إلى فخ؟

رغم بريق النجاح في الملاعب، إلا أن الخبراء يحذرون من مغبة تحويل الحلم الرياضي إلى بديل كامل عن التعليم ففرص الاحتراف ضئيلة، والمخاطرة عالية، والنجاح لا يتحقق إلا لقلة قليلة.

وفي ظل غياب خطط بديلة، قد يتحول الحلم إلى عبء، وقد يدفع آلاف الشباب إلى خسارة سنوات من عمرهم دون تعليم كافٍ أو تأهيل حقيقي.

الإعلام وصناعة القدوة الجديدة

ساهمت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في ترسيخ صورة اللاعب الناجح كنموذج جذاب وسهل التحقق، ويلاحظ الإعلاميون أن التغطية المخصصة للاعب كرة واحد تفوق في كثير من الأحيان ما يحصل عليه عشرة علماء أو أطباء مجتمعين.

فى الواقع الأطفال يتأثرون بمن يرونه أكثر، من الطبيعي أن يقلدوا من يرونه على الشاشات، لا من يعمل في صمت داخل معمل أو مستشفى.

كما أن في زمن التواصل الاجتماعي والـ”تريند”، أصبحت القدوة مرئية بشكل يومي لا يعرف الأطفال أسماء أشهر جراحي القلب في مصر، لكنهم يحفظون تفاصيل أهداف محمد صلاح ومهارات زيزو وكهربا.

الإعلام لا يروج للنجاح الأكاديمي، بل يضخم من إنجازات الملاعب، ويضع الرياضي في مكانة أقرب للنجومية الخارقة.

من حق الطفل أن يحلم ومن واجب المجتمع أن يوازن

ليس من الخطأ أن يحلم الطفل بأن يصبح رياضيًا ناجحًا، فالأحلام من أساسيات الحياة، والرياضة طريق مشروع للارتقاء، لكن المشكلة تبدأ عندما يختزل المستقبل في هدف واحد وتهمل البدائل الواقعية، خاصة التعليم الذي يبقى رغم التحديات حجر الأساس لأي نهضة حقيقية.

على الدولة أن تعيد الاعتبار للمهن العلمية، وأن تصلح منظومة التعليم، وعلى الإعلام أن يقدم نماذج متنوعة للنجاح، وعلى الأسرة أن تشجع الحلم دون أن تفقد بوصلته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *