في نوفمبر 2022، كانت الأنظار كلها متجهة نحو قطر، تلك الدولة الخليجية الصغيرة التي نجحت في أن تجذب انتباه العالم بأسره من خلال تنظيمها لأكبر حدث رياضي على كوكب الأرض، كأس العالم لكرة القدم.
لكن المفاجأة كانت أن الحدث الذي كان يُنتظر منه أن يكون مجرد لقاء كروي عالمي تحول إلى ما يشبه المعركة الثقافية بين الشرق والغرب، معركة أعادت إلى الأذهان مفهوم الاستشراق الذي ناقشه المفكر الفلسطيني الكبير إدوارد سعيد.
الاستشراق، كما عرفه سعيد، ليس فقط دراسة للشرق من قبل الغرب، بل هو منظومة فكرية قائمة على التصورات النمطية التي يرسمها الغرب عن الشرق، لتبرير هيمنته الثقافية والسياسية. وهذا ما ظهر بوضوح في كأس العالم بقطر.
البداية كانت مع صحيفة الجارديان البريطانية التي نشرت مقالات انتقدت فيها حظر الكحول في الملاعب، معتبرة ذلك تقييدًا للحريات الشخصية.
في المقابل، رأى الإعلام القطري والعربي أن القرار يوضح احترام القيم الثقافية والدينية للمجتمع القطري، وأنه جزء من هويتها.
لكن الأزمة لم تتوقف عند الكحول، فقد تفجرت قضية أخرى تتعلق بالمثلية الجنسية، حيث رفضت قطر رفع أعلام قوس قزح في الملاعب. الصحف الغربية وصفت ذلك بأنه تمييز وقمع، بينما دافعت قطر عن موقفها باعتباره التزامًا بمعتقداتها الدينية.
قناة الجزيرة تناولت هذه الهجمة الإعلامية بوصفها حملة منظمة لتشويه صورة الدولة المستضيفة، مشيرة إلى أن هناك تضخيمًا للأحداث على حساب النجاحات التنظيمية التي شهدت إشادة واسعة.
أما في الحفل الافتتاحي، حيث تمت تلاوة آيات من القرآن الكريم، فقد اعتبرته الصحافة الغربية خطوة غير مألوفة، بينما رأى الإعلام العربي أنها لحظة تاريخية تعبر عن هوية قطر الإسلامية.

هذه الأحداث ذكرتنا بأحداث مشابهة في أولمبياد بكين 2008، حيث تعرضت الصين لانتقادات واسعة تتعلق بحقوق الإنسان، وأولمبياد ريو 2016 التي انتقدت فيها البرازيل بسبب الأوضاع الاقتصادية.
وفقًا للمفكر نعوم تشومسكي، فإن هذه التغطيات الإعلامية ليست مجرد صدفة، بل تظهر محاولة فرض نموذج ثقافي واحد على العالم، بينما يرى الفيلسوف يورغن هابرماس أن الصدام الثقافي يحدث عندما يُفرض نموذج غربي باعتباره المعيار الوحيد للحداثة.
إذن، هل كانت كأس العالم في قطر مجرد بطولة رياضية أم أنها كانت ساحة لصراع ثقافي؟ الأمر يتوقف على الزاوية التي تنظر منها. قطر رأت فيها فرصة لإظهار ثقافتها، بينما رأى الغرب فيها اختبارًا لقيمه الخاصة.