حجاب المرأة المسلمة… كرة تتقاذفها السياسة والقوانين

في زمن يفترض أن تكون فيه الرياضة مساحة مفتوحة للاندماج والحرية، تواجه النساء المسلمات معركة يومية لفرض حقهن في المشاركة فى الرياضة؛ بسبب الحجاب، الذي يُفترض أنه خيار ديني وشخصي، تحوّل في كثير من الدول إلى قضية قانونية وأمنية، بل وسياسية، تقيد أجساد النساء وتفرض عليهن شروطًا للمشاركة أو الإقصاء.

فهل ما يحدث باسم “الحياد” و”العلمانية” هو فعلاً حماية للمجتمع، أم أن هناك تمييزًا ممنهجًا يُمارس تحت غطاء القانون؟ فاطمة، عداءة فرنسية شابة، منعتها السلطات من المشاركة في منافسة رسمية لأنها ترتدي الحجاب، وفرح لاعبة كرة قدم، عبّرت لمنظمة العفو الدولية عن إحساسها بالإقصاء قائلة: “أشعر وكأن الدولة تقول لي أنني لا أنتمي… لا يريدون رؤية فتاة محجبة تمثل فرنسا”. هؤلاء لسن حالات فردية فبحسب تقرير حديث للعفو الدولية، العشرات من النساء والفتيات المحجبات حُرمن من ممارسة الرياضة في فرنسا، وبعضهن اضطررن للتخلي عن أحلامهن أو خلع الحجاب.

في يوليو 2023، أقر مجلس الشيوخ الفرنسي قانونًا يمنع الرياضيين المشاركين باسم فرنسا من ارتداء “رموز دينية ظاهرة” أثناء المنافسات ويشمل هذا الحظر صراحةً الحجاب الإسلامي.

فرنسا، التي تفتخر بعلمانيتها، تُبرر هذه القوانين بأنها تهدف إلى ضمان “الحياد في الفضاء العام”، لكن منظمات حقوقية عديدة ترى أن هذا التبرير لا يصمد أمام الحقوق الأساسية المكفولة عالميًا، وعلى رأسها حرية الدين والتعبير. في تناقض مباشر مع الموقف الفرنسي، أكدت اللجنة الأولمبية الدولية أن ارتداء الحجاب مسموح للرياضيات المشاركات في أولمبياد باريس 2024، بشرط ألا يعوق الأداء أو يشكل خطرًا، وبذلك يمكن للرياضية الأجنبية أن تلعب وهي محجبة… بينما تُمنع الفرنسية من ذلك. هذا التباين يسلط الضوء على فجوة قيمية بين مبادئ المساواة الأولمبية، والتطبيق القانوني الفرنسي.

بينما تُمنع النساء في فرنسا من ارتداء الحجاب، تُجبر عليه النساء في إيران منذ الثورة الإسلامية عام 1979، فُرض الحجاب قانونًا على جميع الإيرانيات، لكن وفاة مهسا أميني أثناء احتجازها بسبب “سوء ارتداء الحجاب” فجّرت احتجاجات هزّت البلاد.

وفي عالم الرياضة، ظهرت مقاومة نسائية رمزية المتسلقة إلناز ركابي شاركت في بطولة بكوريا دون حجاب، وقد ناصرها عدد من النساء المتمردات على قانون إجبار النساء على إرتداء الحجاب وعند عودتها قدمت اعتذارًا علنيًا، يُعتقد أنه جاء تحت ضغط السلطات، كما غادرت بطلات أولمبيات مثل كيميا علي زاده البلاد؛ احتجاجًا على القيود المفروضة عليهن.

منظمة العفو الدولية وصفت حظر الحجاب في الرياضة الفرنسية بأنه: “يمثل انتهاكًا واضحًا لحقوق الإنسان، ويخالف روح القيم الأولمبية التي تحتفي بالتنوع وعدم التمييز”. بينما قالت هيومن رايتس ووتش: “إن هذه القوانين تقوض المشاركة، وتكرّس الإقصاء المبني على الهوية”.

يرى خبراء في علم الاجتماع أن الحجاب في الرياضة تحوّل إلى ساحة صراع سياسي وهوياتي ففي حين تستخدمه بعض الدول لتأكيد هويتها الدينية، ترفضه أخرى كرمز مرفوض داخل مجتمعها العلماني، وفي الحالتين الضحية واحدة: المرأة، التي يُسلب منها حق اختيار ما ترتديه ومتى وكيف، سواء بالإجبار على ارتداء الحجاب أو منعه.

يبقى الحجاب في الرياضة مرآة تعكس صراعًا عالميًا حول من يملك جسد المرأة ومن يحدد لها كيف تظهر وتتحرك، وبين فرنسا التي تفرض خلع الحجاب، وإيران التي تفرض ارتداءه، تُختزل خيارات النساء في قرارات مؤسسية لا تمثلهن. رغم ان الانتصار لم يتحقق بالكامل، لكن ما لا يمكن إنكاره أن صوت النساء أصبح أعلى، وأكثر حضورًا في النقاش العام، فهن لم يعدن مجرد متلقّيات لقرارات تُصاغ بعيدًا عنهن، بل أصبحن طرفًا فاعلًا، يطالبن، ويكشفن التناقضات، ويخضن معركة شرسة للدفاع عن حقوقهن حتى لو كان الطريق طويلًا وشاقًا. السؤال الأهم ليس فقط “هل يمكن للمرأة المحجبة أن تلعب؟” بل: “هل يمكن للمرأة أن تختار بحرية دون أن يُعاقبها القانون”؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *