المستطيل الأحمر

١٠ يوليو ٢٠٢٤ – المكان ساحة مدرسة العودة ، هروبًا من هول الأحداث وفي مكانٍ ظنوا أنه آمن من غدر الاحتلال، مباراة في ملعب المدرسة بين النازحين تخفف من روع الأطفال، مباراة ظاهرها للمتعة وما خفي كان أعظم، لو فطنها العاقلون لتحسروا.

تلك التي لعبوا على أرضها تدعى “ملجأ”، والملجأ في اللغة يعني مكان لتوفير المأوى والحماية من الخطر وقت الحروب والأزمات، فظنوا لبعض الوقت أنهم آمنون، وبين تشجيع النساء ذويهم وحماس الأطفال بمتعة كرة القدم التي عهدوها -أقصد التي سمعوا عنها ولم يعهدوها- وكادوا أن ينسوها.. يتم القصف.

كانت المباراة هروبًا من الهول ولكن إلى الهول، بدأت صافرتها بتخفيف وانتهت بتخويف.. طارت الكرة في فضاءٍ معلوم وتطاير معها ما هو أيضًا معلوم.. لن انسى صوت موثق فيديو القصف وهو يقول: “اهربوا تم استهداف العودة”.

وُلدت الرياضة في فلسطين تحت القصف، وأطفالها يحلمون بالملاعب وسط الأنقاض.. بدأت الرياضة في فلسطين في عشرينيات القرن الماضي، ففي عام ١٩٢٧م، أُقيمت مباراة بين النادي الأرثوذكسي في يافا ونادي الرياضة في غزة، وقد وصفت الصحف الفلسطينية هذه الفترة بأنها من أهم مظاهر النهضة الرياضية.

وفي عام ١٩٣٤م، تأسس نادي غزة الرياضي، وتبعته أندية أخرى في غزة وخان يونس في الأربعينيات. وبدأت هذه الأندية في المشاركة في البطولات المحلية والعربية، وحتى قبل أكتوبر ٢٠٢٣، كان يوجد في قطاع غزة ٥٨ ناديًا في الدرجات الأولى والثانية والثالثة.

حاول الاحتلال منع الرياضة الفلسطينية من الظهور عالميًا، وعلى الرغم من محاولات تشكيل اللجنة الأولمبية الفلسطينية والانضمام إلى المنظمات الدولية، رفضت العديد من الاتحادات الرياضية الاعتراف بها، بحجة أنه “لا توجد دولة اسمها فلسطين”.
ورغمًا عن ذلك، شاركت فلسطين في بطولات عربية ودولية، مثل دورة الألعاب العربية عام ١٩٥٣، ودورة الصداقة عام ١٩٦٦ والتي كانت أول مشاركة دولية لفلسطين.

وبعد اتفاق أوسلو ١٩٩٣، بدأت الرياضة الفلسطينية تأخذ شكلاً أكثر تنظيمًا، لكن الاحتلال استمر في عرقلة تقدمها عبر اعتقال اللاعبين، ومنع السفر، وحصار غزة.. يدرك الاحتلال أن الرياضة في فلسطين تعدت كونها للترفيه بل يمكن أن تكون قوة ناعمة لنقل رسائل سياسية ووطنية.

واستكمالًا لحلقة النفاق العالمي، تلك المسؤولة عن كرة القدم “الفيفا” دائما ما تردد “رياضة بلا سياسة”، وكأن ذلك الشعار يرفع فقط في وجه فلسطين، وفي حين آخر تُسيس الرياضة وتغلق عينيها عن الاحتلال وجرائمه ضد الرياضة الفلسطينية.

إسرائيل تقتل اللاعبين، تدمر الملاعب، تحاصر الرياضة الفلسطينية، ومع ذلك حين يطالب الاتحاد الفلسطيني بحقه، يتهمونه بتسييس الرياضة، وحقيقة الأمر أن الرياضة والسياسة مترابطتان، وادّعاء الحياد في وجه الظلم هو ظلم بيّن وتواطؤ صريح.

الرياضة في فلسطين بمثابة صرخة للحرية، ورسالة تنديد بالاحتلال تُوجه إلى العالم بأسره، أرضية الملعب تكاد تكون ميدان معركة، ومنتخب فلسطين يقاتل ٩٠ دقيقة ليس فقط من أجل الفوز، بل من أجل إثبات أنهم فلسطين، أصحاب الأرض.

دُمرت ٥٠ منشأة رياضية، وفقدت غزة ٧٠٪ من ملاعبها، واستشهد أكثر من ٤١٠ رياضي، وكما هو معتاد على الكيان الصهيوني كان تبريره المعلن أن الملاعب كانت مواقع عسكرية.. وصل بهم الأمر لتحويل باقي ملاعب غزة لمعسكرات اعتقال؛ لإذلال الفلسطينيين وعرضهم عراة على شاشاتهم الملعونة.

“أرجو المسامحة والدعوات، أمي وأبي والله إنكم أحب الناس إلى قلبي… أستودعكم عند الله… لعلها تكون آخر كلمات، لكن لا يحدث في ملك الله إلا ما أراد الله”.
كانت تلك آخر كلمات لنجم المنتخب الفلسطيني محمد بركات، ولم يكذب خبر.. استشهد في قصف بخان يونس.

نغم أبو سمرة بطلة الكاراتيه ضحية القصف بخان يونس، ماجد أبو مراحل أول عداء فلسطيني في الأولمبيات استشهد بسبب الحصار وتدمير النظام الصحي، وحتى فريج الحلاج الرياضي الكبير والمصاب بالزهايمر تركوه ينزف حتى فاضت روحه بعد أن قتلوه بدمٍ بارد أمام مستشفى الشفاء، وغيرهم المئات.. عن أي مجاعة وإبادة وتطهير عرقي نتحدث!؟

ومن رحم المعاناة وفي ذروة الأحداث، تأهل المنتخب الفلسطيني إلى الدور الثاني من كأس آسيا لأول مرة، وبلغ المرحلة الحاسمة من تصفيات كأس العالم، كما شهدت أولمبياد باريس ٢٠٢٤ أكبر بعثة فلسطينية في التاريخ.

يردون عليهم آثامهم وكأن لم يكن، وبعد محاولات قتل حلمهم يقفون في كل مرة يكذبون خبرهم.. لازالوا صامدون، مقاومون حتى ولو بالرياضة، يردوهم خائبون إن مسوا هويتهم، مرددين “نحن الهوية.. وأنتم بلا هوية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *